-A +A
د. عبدالوهاب زيد بن جمعة
يعتبر مرض الدرن الذي تتسبب به عصيات السل (بكتيريا معروفة بإصابتها للبشر منذ آلاف السنين اكتشفها الدكتور روبرت كوخ عام 1882)، من أكثر الأمراض المعدية فتكا بالإنسان على الإطلاق، إذ سُجلت حوالى 10 ملايين إصابة على مستوى العالم عام 2018، وأودى بحياة ما يقارب 1.5 مليون شخص في نفس العام، حسب تقارير منظمة الصحة العالمية. وتزيد الكارثة في معاناة أكثر من نصف مليون شخص من أنواع السل المقاوم للمضادات الحيوية التي تكون مدة علاجها طويلة وذات آثار جانبية عالية السمّية، يشكل السل خطراً كبيراً على المصابين بفايروس نقص المناعة المكتسبة (الايدز)، ويعتبر السبب الرئيسي للوفاة بين المصابين بهذا الفايروس.

تتشابه أعراض مرضى السل الرئوي مع أولئك المصابين بفايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إذ يؤثران عادةً على الرئتين ويسببان أعراضاً مثل السعال والحمى والضعف العام، ومن المحتمل أن الأشخاص الذين يعانون من تلف في الرئة، مثل مرضى السل، أو أولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، مثل الذين يعانون من ضعف التحكم في فايروس نقص المناعة المكتسبة، قد يعانون من أشكال أكثر شدة من كوفيد-19، في حال أصيبوا به. إضافة إلى ذلك، يعيش العديد من مرضى السل في مناطق مزدحمة بالسكان، وهذا التقارب يزيد من خطر الإصابة بفايروس كورونا المستجد، وعلى وجه الخصوص في التجمعات المكتظة التي يصعب فيها الوصول إلى المياه النظيفة أو الرعاية الصحية الجيدة فمن المعروف من الأوبئة السابقة أن انخفاض فرص الحصول على الرعاية الصحية الجيدة والأدوية والتشخيصات المبكرة للأشخاص الذين يعانون من حالات تهدد حياتهم مثل السل، يمكن أن يقود إلى زيادة في الوفيات لدى من يعانون من هذه الحالات ومن أقرب الأمثلة على ذلك فايروس ايبولا عندما ضرب غينيا (2014-2015) نتج عنه انخفاض بنسبة 53% في تشخيص السل، ومضاعفة معدل الوفيات منه بسبب الآثار المباشرة وغير المباشرة على الخدمات الصحية للمصابين بمرض السل.


وفي ظل الجهود العالمية لمكافحة جائحة كورونا المستجد تبقى الفئات الضعيفة والأكثر عرضة للإصابة كمرضى السل تحت خطر تفاقم الكارثة الصحية التي يعيشونها، ففي تقرير صدر مؤخراً خلص إلى أن الاستجابة العالمية لوباء كوفيد-19 لها عواقب جذرية على الخدمات المقدمة لمرضى السل، فمع الإغلاق والقيود المفروضة على خدمات التشخيص والعلاج والوقاية من المتوقع أن يزيد العدد السنوي لحالات السل والوفيات على مدى السنوات الخمس المقبلة، وستضيع خمس سنوات على الأقل من التقدم في الاستجابة للسل ويُظهر تحليل النمذجة الصادر عن شراكة دحر السل (Stop TB Partnership) أنه في ظل الإغلاق لمدة ثلاثة أشهر واستعادة الخدمات الممتدة لمدة 10 أشهر، يمكن أن يشهد العالم 6.3 مليون حالة إضافية من السل بين عامي (2020 و 2025) و 1.4 مليون حالة وفاة إضافية بالسل خلال نفس الفترة. ولتقليل تأثير جائحة فايروس كورونا المستجد على مرض السل، وإنقاذ ملايين الأرواح وإعادة العالم إلى المسار الصحيح لتحقيق أهداف الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA)، تحتاج الحكومات إلى اتخاذ تدابير فورية تضمن استمرار تشخيص مرض السل وعلاجه من خلال دعم خدمات الوقاية خلال فترة الإغلاق والقيام بجهود حثيثة لتشخيص السل وتعقبه وعلاجه والوقاية منه.